قال صلى الله عليه وسلم : هذا بكاء الحبيب على حبيبه .
فتفرست السيدة خديجة وجوه الغلمان واختارت زيد بن حارثة لما بدا لها من علامات نجابته ومضت به ، وما هو إلا قليل حتى تزوجت خديجة بنت خويلد رضي الله عنها من محمد بن عبدالله ، فأرادت أن تُطْرِفَهُ وتهدي له فلم تجد خيراً من غلامها الأثير زيد بن حارثة فأهدته إليه .
وفيما كان الغلام المحظوظ يتقلب في رعاية محمد بن عبدالله ويحظى بكريم صحبته وينعم بجميل خِلالِه كانت أمه المفجوعة لا تعرف أ حيّ فترجوه أم ميّت فتيأس منه ، وكان أبوه يتحراه في كل أرض ويصوغ حنينه شعراً حزيناً تتفطر له الأكباد حيث يقول :
بكـيتُ عـلى زيد ولم أدر ما فعــــــــــــل <><> أ حيٌّ فيرجى أم أتى دونه الأجــــــــــل
فو الله مــا أدري وإنِّي لسائــــــــــــــــل <><> أ غالك بعدي السهل أم غالك الجبـــــل
تُذَكِّــرُنِيهِ الشمس عـند طلوعـــــــــــها <><> وتعرض ذكراه إذا غـربها أفـــــــــــــــــــــل
سأعمل نص العيس في الأرض جاهداً <><> ولا أسأم التطوف أو تسأم الإبـــــــــــــل
حـياتي أو تـأتي عــليّ منيّــتــــــــــــي <><> فـكل امـريءٍ فان وإن غره الأمـــــــــــــل
وفي موسم من مواسم الحج قصد البيت الحرام نفر من قوم زيد فإذا هم به وجهاً لوجه فعرفوه وعرفهم ، وكلموه وكلمهم ، ولما قضوا مناسكهم عادوا وأخبروا حارثة بما رأوا وحدثوه بما سمعوا . فأسرع حارثة وأعدّ راحلته وحمل من المال ما يفدي به فلذة كبده وقرة عينه وصحب معه أخاه كعباً ، وانطلقا معا يغذان السير نحو مكة فلما بلغاها دخلا على محمد بن عبدالله وقالا له :
يا بن عبدالمطلب ، أنتم جيران الله ، تفكون العاني ، وتطعمون الجائع ، وتغيثون الملهوف ، وقد جئناك في ابننا الذي عندك وحملنا إليك من المال ما يفي به ، فامنن علينا وفاده لنا بما تشاء .
فقال محمد : ومن ابنكما الذي تعنيان؟
قالا : غلامك زيد بن حارثة .
فقال : وهل لكما فيما هو خير من الفداء ؟
فقالا : وما هو ؟
فقال : أدعوه لكم فخيِّروه بيني وبينكم فان اختاركم فهو لكم بغير مال وإن اختارني فما أنا والله بالذي يرغب عمن يختاره .
فقالا : لقد أنصفت وبالغت في الإنصاف . فدعا محمدٌ زيدا وقال : من هذان ؟
قال زيد : هذا أبي حارثة بن شرحبيل ، وهذا عمي كعب .
فقال محمد : قد خيّرتك : إن شئت مضيت معهما ، وإن شئت أقمت معي .
فقال زيد بلا تردد : بل أقيم معك .
فقال أبوه : ويحك يا زيد ، أتختار العبودية على أبيك وأمك؟
فقال زيد : إني رأيت من هذا الرجل شيئاً وما أنا بالذي يفارقه أبدا .
فلما رأى محمد من زيد ما رأى ، أخذ بيده وأخرجه إلى البيت الحرام ووقف به بالحِجْرِعلى ملأ من قريش وقال : يا معشر قريش اشهدوا أن هذا ابني يرثني وأرثه .... فطابت نفس أبيه وعمه وخلفاه عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وعادا إلى قومهما مطمئني النفس مرتاحي البال ، ومنذ ذلك اليوم أصبح زيد يدعى بزيد بن محمد ، وظل يدعى كذلك حتى بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبطل الإسلام التبني حيث نزل قوله تعالى ( ادعوهم لآبائهم .... الآية ) سورة الأحزاب 5 ، فأصبح يدعى زيد بن حارثة .
لم يكن يعلم زيد حين اختار محمداً صلى الله عليه وسلم على أمه وأبيه أي غُنْمٍ غَنَمَهُ ، ولم يكن أن سيّده الذي آثره على أهله وعشيرته هو سيّد الأولين والآخرين ورسول الله إلى خلقه أجمعين .
وما خطر له ببال أنه سيملأ الأرض عدلاً وحقاً وأنه سيكون من الركائز الأولى في نصر هذا الدين العظيم ... لم يكن شيء من ذلك يدور في خلد زيد .. وإنما هو فضل الله يؤتيه من يشاء من عباده والله ذو الفضل العظيم .
لقد أصبح زيد أميناً لسر رسول الله صلى الله عليه وسلم وقائداً لبعوثه وسراياه وأحد خلفائه على المدينة إذا غادرها النبي صلى الله عليه وسلم .
قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها (قدم زيد بن حارثة المدينة ورسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتي فقرع الباب فقام إليه الرسول صلى الله عليه وسلم عرياناً ليس عليه إلا ما يستر ما بين سرته وركبته ومضى إلى الباب يجر ثوبه فاعتنقه وقبله ووالله ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم عريانا قبله ولا بعده) جامع الأصول وأخرجه الترمذي .
وقد شاع أمر حبِّ النبي صلى الله عليه وسلم لزيد بين المسلمين واستفاض فدعوه (بزيد الحبّ) وأطلقوا عليه لقب (حِبِّ) رسول الله ولقبوا أسامة من بعده بِحِبِّ رسول الله وابن حِبِّه .
وفي السنة الثامنة من الهجرة شاء الله تبارك وتعالى أن يمتحن الحبيب بفراق حبيبه حين أرسل الرسول صلى الله عليه وسلم الحارث بن عمير الأزدي بكتاب إلى ملك بُصرى يدعوه فيه إلى الإسلام ، فلما بلغ الحارث مؤته شرقيِّ الأردن عرض له أحد أمراء الغساسنة شرحبيل بن عمرو فأخذه وشدّ عليه وثاقه ثم قدمه فضرب عنقه . فاشتدّ ذلك على النبي صلى الله عليه وسلم إذ لم يقتل له رسول غيره ، فجهّز جيشاً من ثلاثة آلاف مقاتل لغزو مؤته وولّى على الجيش حبيبه زيد بن حارثة ، وقال : إن أصيب زيد فتكون القيادة لجعفر بن أبي طالب ، فإن أصيب جعفر كانت إلى عبدالله بن رواحه فإن أصيب عبدالله فليختر المسلمون لأنفسهم رجلاً منهم . مضى الجيش حتى وصل إلى معان بشرقي الأردن فهب هرقل ملك الروم على رأس مائة ألف مقاتل للدفاع عن الغساسنة ، وانضمّ إليه مائة ألف من مشركي العرب ونزل هذا الجيش الجرّار غير بعيد من مواقع المسلمين ، بات المسلمون في معان ليلتين يتشاورون فيما يصنعون ... فقال قائل : نكتب لرسول الله نخبره بعدد عدونا وننتظر أمره .
وقال آخر : والله يا قوم إننا لا نقاتل بعدد ولا قوة ولا كثرة وإنما نقاتل بهذا الدين .. فانطلقوا إلى ما خرجتم له ... وقد ضمن الله لكم الفوز بإحدى الحسنيين إما الظفر وإما الشهادة . والتقى الجمعان على أرض مؤته فقاتل المسلمون قتالاً أذهل الروم وملأ قلوبهم هيبة لهذه الآلاف الثلاثة التي تصدت لجيشهم البالغ مائتي ألف وجالد زيد بن ثابت عن راية رسول الله صلى الله عليه وسلم جلاداً لم يعرف له تاريخ البطولات مثيلاً حتى خرقت جسده مئات الرماح فخرّ صريعا يسبح في دمائه ، فتناول الراية جعفر وطفق يذود عنها حتى لحق بصاحبه ، فتناول الراية عبدالله بن رواحه وناضل عنها أبسل نضال حتى انتهى إلى ما انتهى إليه صاحباه ، فأمّر الناس عليهم خالد بن الوليد وكان حديث إسلام فانحاز بالجيش وأنقذه من الفناء المحتم .
بلغت رسول الله صلى الله عليه وسلم أنباء مؤته ومصرع قادته الثلاثة فحزن عليهم حزناً لم يحزن مثله قطّ ومضى إلى أهليهم يعزيهم بهم فلما بلغ بيت زيد بن حارثة لاذت به ابنته الصغيرة وهي مجهشة بالبكاء فبكى صلى الله عليه وسلم حتى انتحب فقال له سعد بن عبادة : ما هذا يا رسول الله ؟!
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (وأيم الله لقد كان زيد بن حارثة خليقاً بالإمرة ولقد كان أحبّ الناس إليّ) . مضت سُعدى بنت ثعلبة تبتغي زيارة قومها بني معن وكانت تصحب معها غلامها زيد بن حارثة الكعبي ، فما كادت تحل في ديار قومها حتى أغارت عليهم خيل لبني القين فأخذوا المال واستاقوا الإبل وسبوا الذراري وكان في جملة من احتملوه معهم ولدها زيد ابن حارثة ، وكان إذ ذلك غلاماً صغيراً يدرج نحو الثامنة من عمره فأتوا به سوق عكاظ وعرضوه للبيع فاشتراه ثريٌّ من سادة قريش حكيم بن حزام بن خويلد بأربعمائة درهم ، واشترى معه طائفة من الغلمان وعاد بهم إلى مكة فلما عرفت عمتّه خديجة بنت خويلد بمقدمه زارته مسلّمة عليه مرحبّة به فقال لها : يا عمّة لقد ابتعت من سوق عكاظ طائفة من الغلمان فاختاري أيّا منهم تشائينه فهو هدية لك .
فتفرست السيدة خديجة وجوه الغلمان واختارت زيد بن حارثة لما بدا لها من علامات نجابته ومضت به ، وما هو إلا قليل حتى تزوجت خديجة بنت خويلد رضي الله عنها من محمد بن عبدالله ، فأرادت أن تُطْرِفَهُ وتهدي له فلم تجد خيراً من غلامها الأثير زيد بن حارثة فأهدته إليه .
وفيما كان الغلام المحظوظ يتقلب في رعاية محمد بن عبدالله ويحظى بكريم صحبته وينعم بجميل خِلالِه كانت أمه المفجوعة لا تعرف أ حيّ فترجوه أم ميّت فتيأس منه ، وكان أبوه يتحراه في كل أرض ويصوغ حنينه شعراً حزيناً تتفطر له الأكباد حيث يقول :
بكـيتُ عـلى زيد ولم أدر ما فعــــــــــــل <><> أ حيٌّ فيرجى أم أتى دونه الأجــــــــــل
فو الله مــا أدري وإنِّي لسائــــــــــــــــل <><> أ غالك بعدي السهل أم غالك الجبـــــل
تُذَكِّــرُنِيهِ الشمس عـند طلوعـــــــــــها <><> وتعرض ذكراه إذا غـربها أفـــــــــــــــــــــل
سأعمل نص العيس في الأرض جاهداً <><> ولا أسأم التطوف أو تسأم الإبـــــــــــــل
حـياتي أو تـأتي عــليّ منيّــتــــــــــــي <><> فـكل امـريءٍ فان وإن غره الأمـــــــــــــل
وفي موسم من مواسم الحج قصد البيت الحرام نفر من قوم زيد فإذا هم به وجهاً لوجه فعرفوه وعرفهم ، وكلموه وكلمهم ، ولما قضوا مناسكهم عادوا وأخبروا حارثة بما رأوا وحدثوه بما سمعوا . فأسرع حارثة وأعدّ راحلته وحمل من المال ما يفدي به فلذة كبده وقرة عينه وصحب معه أخاه كعباً ، وانطلقا معا يغذان السير نحو مكة فلما بلغاها دخلا على محمد بن عبدالله وقالا له :
يا بن عبدالمطلب ، أنتم جيران الله ، تفكون العاني ، وتطعمون الجائع ، وتغيثون الملهوف ، وقد جئناك في ابننا الذي عندك وحملنا إليك من المال ما يفي به ، فامنن علينا وفاده لنا بما تشاء .
فقال محمد : ومن ابنكما الذي تعنيان؟
قالا : غلامك زيد بن حارثة .
فقال : وهل لكما فيما هو خير من الفداء ؟
فقالا : وما هو ؟
فقال : أدعوه لكم فخيِّروه بيني وبينكم فان اختاركم فهو لكم بغير مال وإن اختارني فما أنا والله بالذي يرغب عمن يختاره .
فقالا : لقد أنصفت وبالغت في الإنصاف . فدعا محمدٌ زيدا وقال : من هذان ؟
قال زيد : هذا أبي حارثة بن شرحبيل ، وهذا عمي كعب .
فقال محمد : قد خيّرتك : إن شئت مضيت معهما ، وإن شئت أقمت معي .
فقال زيد بلا تردد : بل أقيم معك .
فقال أبوه : ويحك يا زيد ، أتختار العبودية على أبيك وأمك؟
فقال زيد : إني رأيت من هذا الرجل شيئاً وما أنا بالذي يفارقه أبدا .
فلما رأى محمد من زيد ما رأى ، أخذ بيده وأخرجه إلى البيت الحرام ووقف به بالحِجْرِعلى ملأ من قريش وقال : يا معشر قريش اشهدوا أن هذا ابني يرثني وأرثه .... فطابت نفس أبيه وعمه وخلفاه عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وعادا إلى قومهما مطمئني النفس مرتاحي البال ، ومنذ ذلك اليوم أصبح زيد يدعى بزيد بن محمد ، وظل يدعى كذلك حتى بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبطل الإسلام التبني حيث نزل قوله تعالى ( ادعوهم لآبائهم .... الآية ) سورة الأحزاب 5 ، فأصبح يدعى زيد بن حارثة .
لم يكن يعلم زيد حين اختار محمداً صلى الله عليه وسلم على أمه وأبيه أي غُنْمٍ غَنَمَهُ ، ولم يكن أن سيّده الذي آثره على أهله وعشيرته هو سيّد الأولين والآخرين ورسول الله إلى خلقه أجمعين .
وما خطر له ببال أنه سيملأ الأرض عدلاً وحقاً وأنه سيكون من الركائز الأولى في نصر هذا الدين العظيم ... لم يكن شيء من ذلك يدور في خلد زيد .. وإنما هو فضل الله يؤتيه من يشاء من عباده والله ذو الفضل العظيم .
لقد أصبح زيد أميناً لسر رسول الله صلى الله عليه وسلم وقائداً لبعوثه وسراياه وأحد خلفائه على المدينة إذا غادرها النبي صلى الله عليه وسلم .
قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها (قدم زيد بن حارثة المدينة ورسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتي فقرع الباب فقام إليه الرسول صلى الله عليه وسلم عرياناً ليس عليه إلا ما يستر ما بين سرته وركبته ومضى إلى الباب يجر ثوبه فاعتنقه وقبله ووالله ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم عريانا قبله ولا بعده) جامع الأصول وأخرجه الترمذي .
وقد شاع أمر حبِّ النبي صلى الله عليه وسلم لزيد بين المسلمين واستفاض فدعوه (بزيد الحبّ) وأطلقوا عليه لقب (حِبِّ) رسول الله ولقبوا أسامة من بعده بِحِبِّ رسول الله وابن حِبِّه .
وفي السنة الثامنة من الهجرة شاء الله تبارك وتعالى أن يمتحن الحبيب بفراق حبيبه حين أرسل الرسول صلى الله عليه وسلم الحارث بن عمير الأزدي بكتاب إلى ملك بُصرى يدعوه فيه إلى الإسلام ، فلما بلغ الحارث مؤته شرقيِّ الأردن عرض له أحد أمراء الغساسنة شرحبيل بن عمرو فأخذه وشدّ عليه وثاقه ثم قدمه فضرب عنقه . فاشتدّ ذلك على النبي صلى الله عليه وسلم إذ لم يقتل له رسول غيره ، فجهّز جيشاً من ثلاثة آلاف مقاتل لغزو مؤته وولّى على الجيش حبيبه زيد بن حارثة ، وقال : إن أصيب زيد فتكون القيادة لجعفر بن أبي طالب ، فإن أصيب جعفر كانت إلى عبدالله بن رواحه فإن أصيب عبدالله فليختر المسلمون لأنفسهم رجلاً منهم . مضى الجيش حتى وصل إلى معان بشرقي الأردن فهب هرقل ملك الروم على رأس مائة ألف مقاتل للدفاع عن الغساسنة ، وانضمّ إليه مائة ألف من مشركي العرب ونزل هذا الجيش الجرّار غير بعيد من مواقع المسلمين ، بات المسلمون في معان ليلتين يتشاورون فيما يصنعون ... فقال قائل : نكتب لرسول الله نخبره بعدد عدونا وننتظر أمره .
وقال آخر : والله يا قوم إننا لا نقاتل بعدد ولا قوة ولا كثرة وإنما نقاتل بهذا الدين .. فانطلقوا إلى ما خرجتم له ... وقد ضمن الله لكم الفوز بإحدى الحسنيين إما الظفر وإما الشهادة . والتقى الجمعان على أرض مؤته فقاتل المسلمون قتالاً أذهل الروم وملأ قلوبهم هيبة لهذه الآلاف الثلاثة التي تصدت لجيشهم البالغ مائتي ألف وجالد زيد بن ثابت عن راية رسول الله صلى الله عليه وسلم جلاداً لم يعرف له تاريخ البطولات مثيلاً حتى خرقت جسده مئات الرماح فخرّ صريعا يسبح في دمائه ، فتناول الراية جعفر وطفق يذود عنها حتى لحق بصاحبه ، فتناول الراية عبدالله بن رواحه وناضل عنها أبسل نضال حتى انتهى إلى ما انتهى إليه صاحباه ، فأمّر الناس عليهم خالد بن الوليد وكان حديث إسلام فانحاز بالجيش وأنقذه من الفناء المحتم .
بلغت رسول الله صلى الله عليه وسلم أنباء مؤته ومصرع قادته الثلاثة فحزن عليهم حزناً لم يحزن مثله قطّ ومضى إلى أهليهم يعزيهم بهم فلما بلغ بيت زيد بن حارثة لاذت به ابنته الصغيرة وهي مجهشة بالبكاء فبكى صلى الله عليه وسلم حتى انتحب فقال له سعد بن عبادة : ما هذا يا رسول الله ؟!
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (وأيم الله لقد كان زيد بن حارثة خليقاً بالإمرة ولقد كان أحبّ الناس إليّ) . مضت سُعدى بنت ثعلبة تبتغي زيارة قومها بني معن وكانت تصحب معها غلامها زيد بن حارثة الكعبي ، فما كادت تحل في ديار قومها حتى أغارت عليهم خيل لبني القين فأخذوا المال واستاقوا الإبل وسبوا الذراري وكان في جملة من احتملوه معهم ولدها زيد ابن حارثة ، وكان إذ ذلك غلاماً صغيراً يدرج نحو الثامنة من عمره فأتوا به سوق عكاظ وعرضوه للبيع فاشتراه ثريٌّ من سادة قريش حكيم بن حزام بن خويلد بأربعمائة درهم ، واشترى معه طائفة من الغلمان وعاد بهم إلى مكة فلما عرفت عمتّه خديجة بنت خويلد بمقدمه زارته مسلّمة عليه مرحبّة به فقال لها : يا عمّة لقد ابتعت من سوق عكاظ طائفة من الغلمان فاختاري أيّا منهم تشائينه فهو هدية لك .